فصل: من فوائد ابن عطية في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
وقوله: {على ملك سليمان} أي على عهد ملك سليمان، وقيل المعنى في ملك سليمان بمعنى في قصصه وصفاته وأخباره، وقال الطبري: {اتبعوا} بمعنى فضلوا، و{على ملك سليمان} أي على شرعه ونبوته وحاله، والذي تلته الشياطين: قيل إنهم كان يلقون إلى الكهنة الكلمة من الحق معها المائة من الباطل حتى صار ذلك علمهم، فجمعه سليمان ودفنه تحت كرسيه، فلما مات قالت الشياطين: إن ذلك كان علم سليمان، وقيل: بل كان الذي تلته الشياطين سحرًا وتعليمًا فجمعه سليمان عليه السلام كما تقدم، وقيل إن سليمان عليه السلام كان يملي على كاتبه آصف بن برخيا علمه ويختزنه، فلما مات أخرجته الجن وكتبت بين كل سطرين سطرًا من سحر ثم نسبت ذلك إلى سليمان، وقيل إن آصف تواطأ مع الشياطين على أن يكتبوا سحرًا وينسبوه إلى سليمان بعد موته، وقيل إن الجن كتبت ذلك بعد موت سليمان واختلقته ونسبته إليه، وقيل إن الجن والإنس حين زال ملك سليمان عنه اتخذ بعضهم السحر والكهانة علمًا، فلما رجع سليمان إلى ملكه تتبع كتبهم في الآفاق ودفنها، فلما مات قال شيطان لبني إسرائيل، هل أدلكم على كنز سليمان الذي به سخرت له الجن والريح، هو هذا السحر، فاستخرجته بنو إسرائيل وانبث فيهم، ونسبوا سليمان إلى السحر وكفروا في ذلك حتى برأه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر سليمان في الأنبياء قال بعض اليهود: انظروا إلى محمد يذكر سليمان في الأنبياء وما كان إلا ساحرًا.
وقوله تعالى: {وما كفر سليمان} تبرئة من الله تعالى لسليمان، ولم يتقدم في الآيات أن أحدًا نسبه إلى الكفر، ولكنها آية نزلت في السبت المتقدم أن اليهود نسبته إلى السحر، والسحر والعمل به كفر، ويقتل الساحر عند مالك رضي الله عنه كفرًا، ولا يستتاب كالزنديق، وقال الشافعي: يسأل عن سحره فإن كان كفرًا استتيب منه فإن تاب وإلا قتل، وقال مالك: فيمن يعقد الرجال عن النساء يعاقب ولا يقتل، واختلف في ساحر أهل الذمة فقيل: يقتل، وقال مالك: لا يقتل إلا إن قتل بسحره ويضمن ما جنى، ويقتل إن جاء منه بما لم يعاهد عليه، وقرأ نافع وعاصم وابن كثير وأبو عمرو بتشديد النون من {لكنّ} ونصب الشياطين، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر بتخفيف النون ورفع {الشياطينُ}، قال بعض الكوفيين: التشديد أحب اليّ إذا دخلت عليها الواو لأن المخففة بمنزلة بل، وبل لا تدخل عليها الواو، وقال أبو علي: ليس دخول الواو عليها معنى يوجب التشديد، وهي مثقلة ومخففة بمعنى واحد إلا أنها لا تعمل إذا خففت، وكفر الشياطين إما بتعليمهم السحر، وإما بعلمهم به، وإما بتكفيرهم سليمان به، وكل ذلك كان، والناس المعلمون أتباع الشياطين من بني إسرائيل، و{السحر} مفعول ثان ب {يعلمون}، وموضع {يعلمون} نصب على الحال، أو رفع على خبر ثان.
وقوله تعالى: {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت}: {ما} عطف على {السحر} فهي مفعولة، وهذا على القول بأن الله تعالى أنزل السحر على الملكين فتنة للناس ليكفر من اتعبه ويؤمن من تركه، أو على قول مجاهد وغيره: إن الله تعالى أنزل على الملكين الشيء الذي يفرق به بين المرء وزوجه دون السحر، أو على القول إنه تعالى أنزل السحر عليهما ليعلم على جهة التحذير منه والنهي عنه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والتعليم على هذا القول إنما هو تعريف يسير بمبادئه، وقيل إن {ما} عطف على {ما} في قوله: {ما تتلو}، وقيل: {ما} نافية، رد على قوله: {وما كفر سليمان}، وذلك أن اليهود قالوا: إن الله أنزل جبريل وميكائل بالسحر فنفى الله ذلك، وقرأ ابن عباس والحسن والضحاك وابن أبزى {الملِكين} بكسر اللام، وقال ابن أبزى: هما داود وسليمان، وعلى هذا القول أيضًا ف {ما} نافية، وقال الحسن: هما علجان كانا ببابل ملكين، {فما} على هذا القول غير نافية، وقرأها كذلك أبو الأسود الدؤلي، وقال: هما {هاروت وماروت}، فهذا كقول الحسن.
و{بابل} لا ينصرف للتأنيث والتعريف، وهي قطر من الأرض، واختلف أين هي؟ فقال قوم: هي بالعراق وما والاه، وقال ابن مسعود لأهل الكوفة: أنتم بين الحيرة وبابل، وقال قتادة: هي من نصيبين إلى رأس العين، وقال قوم: هي بالمغرب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، وقال قوم: هي جبل دماوند، و{هاروت وماروت} بدل من {الملكين} على قول من قال: هما ملكان، ومن قرأ {ملِكين} بكسر اللام وجعلهما داود سليمان أو جعل الملكين جبريل وميكائل، جعل {هاروت وماروت} بدلًا من {الشياطين} في قوله: {ولكن الشياطين كفروا}، وقال هما شيطانان، ويجيء {يعلمون}: إما على أن الاثنين جمع، وإما على تقدير أتباع لهذين الشيطانين اللذين هما الرأس، ومن قال كانا علجين قال: {هاروت وماروت} بدل من قوله: {الملكين}، وقيل هما بدل من {الناس} في قوله: {يعلمون الناس}، وقرأ الزهري {هاروتُ وماروتُ} بالرفع، وجهه البدل من {الشياطين} في قوله: {تتلو الشياطين} أو من {الشياطين} الثاني على قراءة من خفف {لكنْ} ورفع، أو على خبر ابتداء مضمر تقديره هما {هاروت وماروت}.
وروى من قال إنهما ملكان أن الملائكة مقتت حكام بني إسرائيل وزعمت أنها لو كانت بمثابتهم من البعد عن الله لأطاعت حق الطاعة، فقال الله لهم: اختاروا ملكين يحكمان بين الناس، فاختاروا هاروت وماروت، فكانا يحكمان، فاختصمت إليهما امرأة ففتنا بها فراوداها، فأبت حتى يشربا الخمر ويقتلا، ففعلا، وسألتهما عن الاسم الذي يصعدان به إلى السماء فعلماها إياه، فتكلمت به فعرجت، فمسخت كوكبًا فهي الزهرة، وكان ابن عمر يلعنها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله ضعيف وبعيد ابن عمر رضي الله عنهما، وروي أن الزهرة نزلت إليهما في صورة امرأة من فارس فجرى لهما ما ذكر، فأطلع الله عز وجل الملائكة على ما كان من هاروت وماروت، فتعجبوا، وبقيا في الأرض لأنهما خُيِّرا بين عذاب الآخرة وعذاب الدنيا فاختارا عذاب الدنيا، فهما في سرب من الأرض معلقين يصفقان بأجنحتهما، وروت طائفة أنهما يعلمان السحر في موضعهما ذلك، وأخذ عليهما أن لا يعلما أحدًا حتى يقولا له: {إنما نحن فتنة فلا تكفر}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القصص يزيد في بعض الروايات وينقص في بعض، ولا يقطع منه بشيء، فلذلك اختصرته.
ذكر ابن الأعرابي في الياقوتة أن {يعلمان} بمعنى يعلمان ويشعران كما قال كعب بن زهير الطويل:
تَعَلَّمْ رسولَ اللَّهِ أنَّك مدركي ** وأنّ وعيدًا منك كالأخذِ باليدِ

وحمل هذه الآية على أن الملكين إنما نزلا يعلمان الناس بالسحر وينهيان عنه، وقال الجمهور: بل التعليم على عرفه، ولا تكفر قالت فرقة: بتعلم السحر، وقالت فرقة: باستعماله، وحكى المهدوي أن قولهما: {إنما نحن فتنة فلا تكفر} استهزاء، لأنهما إنما يقولانه لمن قد تحققا ضلاله، و{من} في قوله: {من أحد} زائدة بعد النفي.
وقوله تعالى: {فيتعلمون}: قال سيبويه: التقدير فهم يتعلمون، وقيل هو معطوف على قوله: {يعلمون الناس}، ومنعه الزجاج، وقيل: هو معطوف على موضع {وما يعلمان} لأن قوله: {وما يعلمان} وإن دخلت عليه ما النافية فمضمنه الإيجاب في التعليم، وقيل التقدير فيأتون فيتعلمون، واختاره الزجاج، والضمير في {يعلمان} هو لهاروت وماروت الملكين أو الملكين العلجين على ما تقدم، والضمير في {منهما} قيل: هو عائد عليهما، وقيل: على {السحر} وعلى الذي أنزل على الملكين، و{يفرقون} معناه فرقة العصمة، وقيل معناه: يؤخِّذون الرجل عن المرأة حتى لا يقدر على وطئها فهي أيضًا فرقة.
وقرأ الحسن والزهري وقتادة: {المرءِ} براء مكسورة خفيفة، وروي عن الزهري تشديد الراء، وقرأ ابن أبي إسحاق {المُرء} بضم الميم وهمزة وهي لغة هذيل، وقرأ الأشهب العقيلي {المِرء} بكسر الميم وهمزة، ورويت عن الحسن، وقرأ جمهور الناس {المَرء} بفتح الميم وهمزة، والزوج هنا امرأة الرجل، وكل واحد منهما زوج الآخر، ويقال للمرأة زوجة قال الفرزدق. الطويل:
وإن الذي يسعى ليفسِدَ زوجتي ** كساعٍ إلى أُسْد الشرى يسْتبيلها

وقرأ الجمهور {بضارين به}، وقرأ الأعمش {بضاري به من أحد} فقيل: حذفت النون تخفيفًا، وقيل: حذفت للإضافة إلى {أحد} وحيل بين المضاف والمضاف إليه بالمجرور، و{بإذن الله} معناه. بعلمه وتمكينه، و{يضرهم} معناه في الآخرة {ولا ينفعهم} فيها أيضًا، وإن نفع في الدنيا بالمكاسب فالمراعى إنما هو أمر الآخرة، والضمير في {علموا} عائد على بني إسرائيل حسب الضمائر المتقدمة، وقيل: على {الشياطين}، وقيل على {الملكين} وهما جمع، وقال: {اشتراه} لأنهم كانوا يعطون الأجرة على أن يعلموا، والخلاق النصيب والحظ، وهو هنا بمعنى الجاه والقدر، واللام في قوله: {لمن} المتقدمة للقسم المؤذنة بأن الكلام قسم لا شرط، وتقدم القول في {بئسما}، و{شروا} معناه باعوا، وقد تقدم مثله، والضمير في {يعلمون} عائد على بني إسرائيل باتفاق، ومن قال إن الضمير في {علموا} عائد عليهم خرج هذا الثاني على المجاز، أي لما عملوا عمل من لا يعلم كانوا كأنهم لا يعلمون، ومن قال إن الضمير في {علموا} عائد على {الشياطين} أو على {الملكين} قال: إن أولئك علموا أن لا خلاق لمن اشتراه وهؤلاء لم يعلموا فهو على الحقيقة، وقال مكي: الضمير في {علموا} لعلماء أهل الكتاب، وفي قوله: {لو كانوا يعلمون} للمتعلمين منهم. اهـ.

.من فوائد الماوردي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله عز وجل: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} اختلف أهل التفسير في سبب ذلك، على قولين:
أحدهما: أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ويستخرجون السحر، فَأَطْلَعَ الله سليمان ابن داود عليه، فاستخرجه من أيديهم، ودفنه تحت كرسيه، فلم تكن الجن تقدر على أن تدنو من الكرسي، فقالت الإنس بعد موت سليمان: إن العلم الذي كان سليمان يُسَخِّر به الشياطين والرياح هو تحت كرسيه، فاستخرجوه وقالوا: كان ساحرًا ولم يكن نبيًا، فتعلموه وعلّموه، فأنزل الله تعالى براءة سليمان بهذه الآية.
والثاني: أن آصف بن برخيا وهو كاتب سليمان وَاطَأَ نَفَرًا من الشياطين على كتاب كتبوه سحرًا ودفنوه تحت كرسي سليمان، ثم استخرجوه بعد موته وقالوا هذا سحر سليمان، فبرأه الله تعالى من قولهم، فقال: {وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ}، وهم ما نسبوه إلى الكفر، ولكنهم نسبوه إلى السحر، لكن لما كان السحر كفرًا صاروا بمنزلة من نسبه إلى الكفر.
قال تعالى: {وَلَكْنَّ الشَيَاطِينَ كَفَرُوا} فيه قولان:
أحدهما: أنهم كفروا بما نسبوه إلى سليمان من السحر.
والثاني: أنهم كفروا بما استخرجوه من السحر.
{يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم ألقوه في قلوبهم فتعلموه.
والثاني: أنهم دلوهم على إخراجه من تحت الكرسي فتعلموه.
{وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} وفي {مَا} ها هنا وجهان:
أحدهما: بمعنى الذي، وتقديره الذي أنزل على الملكين.
والثاني: أنها بمعنى النفي، وتقديره: ولم ينزل على الملكين.
وفي الملكين قراءتان: إحداهما: بكسر اللام، كانا من ملوك بابل وعلوجها هاروت وماروت، وهذا قول أبي الأسود الدؤلي، والقراءة الثانية: بفتح اللام من الملائكة.
وفيه قولان:
أحدهما: أن سحرة اليهود زعموا، أن الله تعالى أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبهم الله بذلك، وفي الكلام تقديم وتأخير، وتقديره: وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، وهما رجلان ببابل.
والثاني: أن هاروت وماروت مَلَكان، أَهْبَطَهُما الله عز وجل إلى الأرض، وسبب ذلك، أن الله تعالى لما أطلع الملائكة على معاصي بني آدم، عجبوا من معصيتهم له مع كثرة أَنْعُمِهِ عليهم، فقال الله تعالى لهم: أما أنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم، فقالوا: سبحانك ما ينبغي لنا، فأمرهم الله أن يختاروا ملكين ليهبطا إلى الأرض، فاختاروا هاروت وماروت فأُهْبِطَا إلى الأرض، وأحل لهما كل شيء، على ألا يُشْرِكا بالله شيئًا، ولا يسرقا، ولا يزنيا، ولا يشربا الخمر، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فعرضت لهما امرأة وكان يحكمان بين الناس تُخَاصِمُ زوجها واسمها بالعربية: الزهرة، وبالفارسية: فندرخت، فوقعت في أنفسهما، فطلباها، فامتنعت عليهما إلا أن يعبدا صنمًا ويشربا الخمر، فشربا الخمر، وعبدا الصنم، وواقعاها، وقتلا سابلًا مر بهما خافا أن يشهر أمرهما، وعلّماها الكلام الذي إذا تكلم به المتكلم عرج إلى السماء، فتكلمت وعرجت، ثم نسيت ما إذا تكلمت به نزلت فمسخت كوكبا، قال: كعب فوالله ما أمسيا من يومهما الذي هبطا فيه، حتى استكملا جميع ما نهيا عنه، فتعجب الملائكة من ذلك. ثم لم يقدر هاروت وماروت على الصعود إلى السماء، فكانا يعلّمان السحر.
وذكر عن الربيع أن نزولهما كان في زمان إدريس.
وأما السحر فقد اختلف الناس في معناه:
فقال قوم: يقدر الساحر أن يقلب الأعيان بسحره، فيحول الإنسان حمارًا، وينشئ أعيانًا وأجسامًا.
وقال آخرون: السحر خِدَع وَمَعَانٍ يفعلها الساحر، فيخيل إليه أنه بخلاف ما هو، كالذي يرى السراب من بعيد، فيخيل إليه أنه ماء، وكواكب السفينة السائرة سيرًا حثيثًا، يخيل إليه أن ما عاين من الأشجار والجبال سائرة معه.
وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَحَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يهوديٌ من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخيّل إليه أنه يفعل الشيءَ وما فعله.
قالوا: ولو كان في وسع الساحر إنشاء الأجسام وقلب الأعيان عما هي به من الهيئات، لم يكن بين الباطل والحق فصل، ولجاز أن يكون جميع الأجسام مما سحرته السحرة، فقلبت أعيانها، وقد وصف الله تعالى سحرة فرعون {فَإِذَا حِبَالُهُمُ وَعِصِيُّهُمُ يُخَيَّلُ إِليْهِ مِن سِحْرِهِم أَنَّهَا تَسْعَى}.
وقال آخرون: وهو قول الشافعي إن الساحر قد يوسوس بسحره فيمرض وربما قتل، لأن التخيل بدء الوسوسة، والوسوسة بدء المرض، والمرض بدء التلف.
فأما أرض {ببابل} ففيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها الكوفة وسوادها، وسميت بذلك حيث تبلبلت الألسن بها وهذا قول ابن مسعود.
والثاني: أنها من نصيبين إلى رأس عين، وهذا قول قتادة.
والثالث: أنها جبل نهاوند. وهي فطر من الأرض.
{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُر} بما تتعلمه من سحرنا.
{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} في المراد بقوله: {منهما} ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني من هاروت وماروت.
والثاني: من السحر والكفر.
والثالث: من الشيطان والملكين، فيتعلمون من الشياطين السحر، ومن الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه.
{وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ} يعني السحر.
{إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} فيه تأويلان:
أحدهما: يعني بأمر الله.
والثاني: بعلم الله.
{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} يعني ما يضرهم في الآخرة، ولا ينفعهم في الدنيا.
{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} يعني السحر الذي يفرقون به بين المرء وزوجه.
{مَا لهُ فِي الأَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن الخلاق النصيب، وهو قول مجاهد والسدي.
والثاني: أن الخلاق الجهة، وهو قول قتادة.
والثالث: أن الخلاق الدين، وهو قول الحسن.
قوله عز وجل: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَواْ بِهِ أَنفُسَهُم لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فيه تأويلان:
أحدهما: يعني ولبئس ما باعوا به أنفسهم من السحر والكفر في تعليمه وفعله.
والثاني: من إضافتهم السحر إلى سليمان، وتحريضهم على الكذب. اهـ.